كتب: أشرف الليثى
المهندس حسين صبور بشخصيته الثرية وعلمه الغزير ونجاحاته التى ليس لها مثيل، كل هذا لم يأتِ من فراغ بل كان نتيجة شخصيات عديدة ساهمت فى وصول هذا الرجل إلى المكانة المرموقة التى نراه جميعا عليها الآن، فمنذ نعومة أظافره وهناك شخصية الوالد فائق على صبور مهندس المساحة الفذ، والوالدة المثقفة ذات الشخصية القوية المتحضرة خريجة المدارس الأجنبية، وكذلك أستاذ الجامعة الذى درس المهندس حسين صبور على يديه لمدة ثلاث سنوات، وكذلك الزوجة التى شاركته مشوار الحياة وتحملت قسوة الحياة دون كلل أو ملل بل تولت تربية الأبناء وتوفير كافة سبل الراحة للزوج كى يتفرغ لعمله، وأخيرا الأبنان اللذان ورثا منه ومن والدتهما أشياء كثيرة جعلت أسرة حسين صبور الصغيرة مثار إعجاب الجميع.
وعلى قدر كبير من الأهمية، كانت هناك شخصيات لها تأثير فى مسيرة المهندس حسين صبور مثل المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء السابق، والدكتور يوسف والى نائب رئيس الوزراء السابق وأمين عام الحزب الوطنى حيث أثرا حياة المهندس حسين صبور بصدقاتهما له والمنزه عن أى أغراض وبعيدا عن أى مصلحة.
حديثى مع المهندس حسين صبور كان مختلفا هذه المرة وكان بمثابة الإبحار والغوص فى أعماق الماضى من أجل استرجاع واستحضار كافة العناصر الإيجابية التى ساهمت فى تكوين تلك الشخصية التى قلما يجود بها الزمن.
وندعوك أيها القارئ للاستمتاع بهذه الكلمات الشيقة ذات الشجون لأشهر مهندس عرفته مصر، حيث يقول المهندس حسين صبور:
“مرت بى شخصيات كثيرة ولكننى سوف أركز على أهم هذه الشخصيات؛ أول شخصية المهندس “فايق على صبور” والدى، توفى أبوه وأمه قبل التحاقه بالجامعة وكان أكبر إخوته، واستطاع دخول الجامعة كلية الهندسة وتخرج ونجح فى تربية إخوته وهو ما زال طالبا؛ أربعة أشقاء ذكور وبنت، والذكور الإخوة وصلوا إلى درجات عليا أحدهم طبيب والثانى سفير فى الخارجية والثالث وصل إلى رئيس مجلس إدارة شركة دمياط للغزل والنسيج والرابع مهندس والبنت تزوجت من اأحد الضباط، وعندما تخرج وتزوج من والدتى كان مجهدا وترك تربيتى أنا وأخى لوالدتنا وكان قمة فى الطيبة وكان بمثابة القلب الحنون فى حين كانت الوالدة هى القوية.
وإخوته جميعا كانوا يقدسونه ويحترمونه كأنه والدهم، واحترامهم له فاق كل وصف، وكانوا جميعا يقدرون تربيته لهم ومدى التضحيات التى بذلها من أجل وصولهم إلى بر الأمان ليس فقط لمجرد تعليمهم ولكن لكى يصبحوا ممتازين ومميزين فى المجتمع، وتضحياته لم تكن مادية فقط وإنما إنسانية أيضا.
ووصل والدى إلى درجة مدير مصلحة المساحة؛ وكان فى إحدى المأموريات فى الهند ووافاته المنية هناك وكان له أصدقاء كثيرون فى كل بلد يزورها وعندما زرت الهند جاء أحد المهندسين الهنود وكان كفيفا وسأل عنى وقال: كان والدك يحدثنى عنك كثيرا وكان فخوار بك جدا وبشخصيتك وجديتك فى العمل.
كان والدى له تأثير كبير فى حياتى العملية والإنسانية وكانت نصائحه لى كثيرة أفادتنى فى مشوارى فى الحياة عندما حصلت على الثانوية العامة، كانت ترتيبى الثالث عشر على مستوى الجمهورية والتحقت بكلية هندسة القاهرة وكان تخطيطى أن أكون من المتفوقين حتى استطيع أن أصبح عضو هيئة تدريس، ولكن فى إعدادى هندسة أصبت بمرض منعنى من الذهاب إلى الكلية فترة طويلة ورسبت هذا العام وكان حزنى شديد إلا أن والدى قال لى: احمد ربنا إنك نجحت فى 4 مواد رغم مرضك، ولماذا لا تخطط لأن تصبح مهندسا متفوقا بدلا من أن تصبح معيدا أو عضو هيئة تدريس؟ وربما كان فشلى فى إعدادى هندسة هو الذى مهد لى الطريق أن أصبح مهندسا مميزا وكان هذا أيضا بفضل تشجيع والدى لى.
الشخصية الثانية كانت والدتى “نادر الخولى”، فهى التى تولت تربيتى أنا وأخى الدكتور محمد صبور، وكانت ذات شخصية قوية للغاية وكانت من عائلة ريفية غنية من طنطا، والدها درس فى الأزهر وبعد تخرجه توجه إلى فرنسا وحصل على الدكتوراه ورجع من فرنسا ليقيم فى القاهرة ولكنه من الممكن أن يطلق عليه ريفى الطباع قاهرى فرنسى الثقافة، ولذلك قرر إلحاق بناته كافة ومنهن والدتى بالمدارس الأجنبية.
ولذلك كانت والدتى من السيدات المتعلمات والمثقفات جدا وليس تعليمها مجرد قراءة وكتابة فقط بل كانت متعلمة التحضر والرقى والثقاف وأثرت فيها المدارس الأجنبية التى تعلمت فيها وشكلت شخصيتها القوية جدا واهتمت جدا بتربيتى أنا وأخى وحرصت أن نصبح من المتفوقين فى دراستنا، والنظافة كانت عنوان رئيسيا فى حياتها ولذلك كان أهم شىء تحرص عليه أن تكون ملابسنا نظيفة جدا طوال الوقت ومؤدبين فى تصرفاتنا مع الجميع.
كانت شخصيتها قوية للغاية وشديدة التحمل، وأتذكر أنها أصيبت بمرض السرطان وكانت تتحمل فوق طاقتها ولا تظهر لنا، وكان أخى طبيبا وقال لى إن مرض والدتنا صعب الشفاء منه ويفضل ألا تتعذب بالعلاج الكيماوى ونكتفى بالمسكنات ولكن هذا القرار كان صعبا عليه وأخذنا أنا وهو القرار ولم نخبرها بمرضها حتى توفيت فى سكينة وهدوء كحياتها كلها التى عاشتها فى هدوء وسكينة.
والشخصية الثالثة أستاذى فى الجامعة الدكتور عزيز غالى، قام بالتدريس لى على مدى ثلاث سنوات وكان له تأثير كبير فى حياتى الدراسية والعملية، فعندما تخرجنا فى كلية هندسة القاهرة قال لنا درستم مواد كثيرة رى وموانئ ومجارى ومياه شرب وكبارى وأخذ يعد لنا كل ما درسناه، وستصبحون مهندسين بعد أيام وكل ما درستموه موجود فى الكتب إذا نسيتم أى شىء ارجعوا إلى الكتب لكن كى تصبح مهندسا ناجحا عليك أن تحل أى مشكلة تقف أمامك، فكل ما لم تدرسه عليك أن تواجهه وتعرف كيف تحله، وتذكرت هذا جيدا عندما دمر المهندس باقى زكى يوسف خط بارليف باستخدام خراطيم المياه فهذه الطريقة لم ندرسها فى الكلية ولكن استطاع المهندس المهندس باقى أن يحل المشكلة التى لم ندرسها.
هناك شخصية أخرى لها تأثير كبير فى حياتى وهى زوجتى المهندسة نجوى القوصى فقد تعرفت عليها خلال التحاقها بكلية الهندسة كانت فى إعدادى هندسة وأنا كنت على وشك التخرج من الكلية، وكانت واحدة من ست بنات دخلن كلية الهندسة، وكان هذا حدثا غير مألوف فى تلك الفترة أن تلتحق فتيات بكلية الهندسة، وكان والدها الدكتور عبد العزيز القوصى أستاذ علم النفس التربوى، وتزوجنا بعد تخرجها لأن كان شرطها أن يتم الزواج بعد الانتهاء من دراستها.
زوجتى لها فضل كبير علىّ؛ حيث وفرت لى كل سبل التركيز فى عملى وقامت هى بتربية ابنينا أحمد وعمر، ولم يكن دورها طوال مشوارنا الزوجة فقط بل كانت صديقتى وتشاركنى مشوار الحياة والنجاح وكان الاحترام المتبادل بيننا دائما.
وهناك مواقف كثيرة ولا أخشى أن أذكرها، فبعد الأحداث التى مرت بمصر عام 1967 وتوقف العمل تماما فى مصر، بحثت عن عمل خارج مصر كى يستمر المكتب وكى أوفر مرتبات العاملين فى المكتب وسافرت إلى ليبيا وفتحت مكتبا هناك وكان كل همى أن أوفر مرتبات للعاملين فى المكتب، وفى ظل زحمة العمل نسيت تماما إرسال أى أموال إلى زوجتى وكان عندنا أحمد فقط ولم تتكلم ولم تطلب مليما واحدا منى ولا من والدها رغم أنه كان مقتدرا ماليا وقامت ببيع مصاغها واستمرت فى الإنفاق على البيت وفى صمت شديد حتى مرت تلك الأزمة على خير.
زوجتى قنوعة لدرجة شديدة جدا؛ فهناك موقف آخر خلال فترة زواج أحمد صبور قام لص بالتسلل إلى منزلنا وسرق كافة المصوغات الخاصة بزوجتى وكانت قطعا منتقاة وثمنها غاليا جدا ولم تطلب منى نهائيا تعويضها عن تلك المسروقات وقالت لى إنها لم تعد فى حاجة إلى تلك المصوغات ونسيت هذا الموضوع تماما.
ابنى أحمد وابنى عمر تأثيرهما فى حياتى كبير، وورثا صفات منى ومن والدتهما، حيث ورث أحمد عن والدته المرح وورث منى حب العمل والتفانى فيه وله عدد لا نهائى من الأصدقاء ويجيد فن العلاقات العامة وطوال اليوم مشغول تقريبا فهو يجمع ما بين العمل الشديد والمرح الشديد.
أما عمر فورث عنى الجدية فى العمل والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة جدا فى كل عمل وله ميزة فى اهتمامه ببيته وبزوجته وولديه وهم لهم الأولوية فى حياته بجانب عمله وحبه الشديد للعمل والدقة المتناهية فى كل شىء.
هناك شخصان آخران كانا لهما تأثير فى مشوار حياتى؛ هما المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء السابق والدكتور يوسف والى وزير الزراعة وأمين عام الحزب الوطنى السابق.
ماهر أباظة كان صديقا عزيزا ولم يجاملنى فى أى شىء ولم يكن لى أى عمل معه فى وزارة الكهرباء ولم يسند لى أى مشروع من مشروعات الوزارة ولكن كنا أصدقاء جدا وكان عزيزا علىّ للغاية.
ويوسف والى كان صديقا عزيزا جدا أيضا ولم يكن بيننا أى عمل لأننى لم يكن لدىّ أى اهتمام بمشروعات الزراعة، وكان له مواقف عديدة معى تعبر عن الاحترام الشديد بيننا فعندما كان يعلم أننى فى أزمة أو فى أى مشكلة كان رغم أنه كان نائب رئيس الوزراء وأمين عام الحزب الوطنى ومسئولياته الكثيرة كان يقتطع من وقته ويحضر لى يوميا ويطلب من سائقه أن يغادر ويسهر معى ويطلب منى أن أوصله إلى منزله كل هذا من أجل أن يشعرنى أنه بجانبى، كانت هذه هى طريقته للوقوف معى فى مواجهه أى مشكلة كان دعما معنويا ولم يتحدث معى فى تلك المشاكل نهائيا وعندما لم تكن لدى مشاكل لا أراه، كان إنسانا أكثر من رائع.
عملت أيضا مع جنسيات كثيرة من إنجلترا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا، لكن شخصية الأمريكان كان لها تأثير كبير علىّ وكانوا أكثر الذين تعاملت معهم جديه فى العمل.
ومن الأسباب الرئيسية لنجاحى بعد فضل الله، الجدية والصدق فأنا لست أشطر ولا أنبه ولا أذكى ولا أكفأ من غيرى، لكنى لم أمارس أى عمل مهما كان صغيرا أو كبيرا إلا وكنت مهتما بكل صغيرة وكبيرة فيه، وكنت دائما جادا جدا فى عملى، وكل من يعملى معى هم زملاء لى وليسوا موظفين عندى، وكنا عندما نقوم بتنفيذ عمل ما أطلب من المهندسين الذين شاركوا فى العمل أن يقوموا بشرح مراحل التنفيذ، والنجاح ينسب لنا جميعا وليس لى فقط”.