الإيكونوميست المصرية
غادة غيث: عائلتى لها الأولوية القصوى فى حياتى ووالدى ووالدتى شخصيتان فريدتان تعلمت منهما النزاهة وحب مصر

غادة غيث: عائلتى لها الأولوية القصوى فى حياتى ووالدى ووالدتى شخصيتان فريدتان تعلمت منهما النزاهة وحب مصر


كتب: أشرف الليثى

رغم أنها مصرفية من طراز فريد، فإن الظواهر الوطنية والإنسانية الطاغية فى شخصيتها تجبرك على أن تتعرف على الخلفية والبيئة التى نشأت فيها غادة غيث ولكن عندما قررت التقارب من المناطق الإنسانية فى حياتها اكتشفت أن هناك شخصيات كثيرة وعديدة أثرت فى هذه الإنسانة والتى فى النهاية أنتجت نموذجا مشرفا للمرأة المصرية التى تجمع ما بين الأصالة والحداثة والتمدن.. إنسانة تفخر أنها خرجت من تراب هذا الوطن وعاشت وسط أسرة أعضاؤها لديهم سلام نفسى مع الجميع، النزاهة والتواضع واحترامهم للصغير قبل الكبير سمات أساسية.. ولنذهب سويا للغوص فى أعماق غادة غيث الإنسانة، حيث تقول:
“مشوار طويل فى حياتى سواء على المستوى الإنسانى أو العملى، وكانت هناك شخصيات كثيرة جدا أثرت فى بشكل كبير وهذا يرجع إلى نشأتى وسط عائلة كبيرة من العائلات القديمة التى تربينا بينها وعرفنا معنى احترام الصغير للكبير، وكان جدى لوالدى “لطفى غيث” له دور كبير فى بداية حياتى لأننى كنت أول حفيدة تحمل اسمه وكان من كبار رجال القانون فى محافظة الشرقية ويتميز بالهيبة الشديدة والقوة وفى نفس الوقت، الحنية المفرطة علينا كأحفاد ولذلك كان يمثل لى شخصيا القوة والحنان فى نفس الوقت، وأتذكر أنه عندما تم اختيارى لمعسكر دولى وأنا طفلة حيث كان يتم اختيار أربعة أطفال من كل دولة ووقع الاختيار علىّ من مصر ورفض والدى ووالدتى فكرة السفر لصغر سنى وذهبت له وقلت له إنه تم اختيارى لتمثيل مصر ولكن والدى ووالدتى يرفضان سفرى فقال لى سوف تسافرى لأننى أنا هنا صاحب القرار وهنا تعلمت منه أيضا قدرته على اتخاذ القرار بسرعة وإقناع الآخرين.

والدى المرحوم اللواء سيد غيث، ووالدتى صافيناز نور هما شخصيتان فريدتان، فرغم أن والدى وصل إلى منصب مساعد أول وزير الداخلية لمكافحة المخدرات فإنه كان يحمل بداخله تواضعا ليس له حدود وحنانا وقوة هذه الصفات الثلاث تلخص شخصية والدى فهو كان ضابطا متميزا فى عمله وتم تكريمه من عدة جهات دولية ومن مصر وحصل على وسام الاستحقاق لتميزه فى اكتشاف قضايا عالمية فى الاتجار بالمخدرات وكانت رسالته القضاء على المخدرات كرسالة قومية فى الحياة لقناعته بأن عصابات المافيا تستخدمها لتدمير الشباب خاصة فى الدول الواعدة ومن ضمنها مصر التى كان عاشقا لترابها وكان يواصل العمل ليل نهار من أجل حماية شباب مصر من خطر المخدرات.
ولم يستغل سلطته فى يوم من الأيام وظل فى شقته التى تزوج فيها والدتى عام 1968 وحتى الآن مازالت والدتى تعيش فيها.
النزاهة أكثر الصفات التى تعلمتها من والدى ولم يستغل مركزه فى يوم من الأيام، كنا فى أحد الأيام فى أحد المطاعم وعرفه صاحبه وحاول أن يثنيه عن دفع قيمة ما تناولناه إلا أنه أصر على دفع الفلوس كاملة وقال لى إياكِ وأكل السحت تعلمى أن يكون إنفاقك على قدر دخلك فقط ولا تستغلى فى يوم من الأيام لا منصبك ولا صداقتك بالآخرين.
توفى فى فبراير 1994 ومازلت حتى الآن أترحم عليه كل يوم ولم أنسَ نصائحه لى ولا المبادئ التى علمها لنا أنا وإخوتى.

الوالدة صافيناز مأمون نور خريجة المدارس الفرنسية كان لها تأثير قوى جدا علينا جميعا وكانت تدير المنزل داخليا، شخصيتها قوية للغاية وشديدة جدا معنا فى تربيتها لنا وفى الجانب الآخر كان لها تأثير قوى علىّ بصفة شخصية فهى التى علمتنى حب القراءة والموسيقى والفن بصفة عامة وكنا نذهب معها لمعرض الكتاب منذ بداية طفولتى وكان يقام هذا المعرض فى موقع الأوبرا الحالية بالجزيرة وكانت تجلس معنا ونقرأ الكتب التى اشتريناها كنا نقضى وقتا ممتعا كل يوم أثناء قراءة الكتب.
وبالنسبة للفن والموسيقى بصفة خاصة فوالدتى لها ذوق رفيع فى تذوق الموسيقى ونقلت إلينا كيف نتذوق الفن الراقى سواء المصرى أو الأجنبى وحتى الآن نستمتع بفرانك سيناترا وأم كلثوم وفريد الأطرش وكانت عاشقة للسينما القديمة سواء الأجنبية أو المصرية وتقوم حاليا بنقل هذا الذوق لأحفادها وخاصة بنتى التى تعتبر امتدادا لى فى التأثر الشديد بوالدتى صافيناز نور.
وأهم شىء أثرت فى والدتى هو حبها الشديد لمصر ووطنيتها الطاغية كانت دائما تقول لنا أهم شىء فى حياتنا حبنا لله وللرسول ثم مصر وبعد ذلك العائلة وكانت دائما تقول مصر أهم من أى شىء آخر وتطلب منا ترديد هذا بصفة دائمة حتى حفظناها عن ظهر قلب وتقوم الآن بنفس الشىء بالنسبة لأحفادها.

ثم نأتى لتأثير آخر فى حياتى وهما إخوتى الدكتورة رشا غيث طبيبة وأستاذة فى القصر العينى وهى أكثرنا شبها لوالدى سواء فى الشكل أو الطباع وأسلوب الحياة وعندها قدرة كبيرة على تحمل المسئولية وإنسانيتها عالية للغاية، وأخى المهندس محمد غيث، كان والدى يردد أريد منكم ان تكونوا دائما يدا واحدة ولا تتفرقوا أبدا ورغم أن محمد أصغرنا لكنا نحترمه ونعتبره كبير العائلة.
العائلة بصفة عامة لدىّ لها الأولوية القصوى فى حياتى، وأعشق عماتى وخالاتى، وتربينا أن أى وقت تجتمع فيه العائلة يكون هو المفضل لنا جميعا وتأثرى الشديد بالشرقية مسقط رأس والدى وعماتى وأعمامى.
ننتقل إلى المدرسة، أكثر شخصية أثرت فى وكانت بمثابة والدتى الثانية هى مدام ماجدة موسى مديرة مدرسة الحرية واستمرت علاقتى بها منذ دخولى الحضانة حتى وفاتها ولم تنقطع أبدا تلك العلاقة ولشدة تأثرى بها ألحقت أولادى بنفس المدرسة. هذه السيدة تعتبر نموذجا للمربية الفاضلة وكانت أول من تعامل مع أصحاب ذوى الاحتياجات الخاصة وكانت تعلمنا ونحن أطفال فى المدرسة كيف نتعامل معهم وكانت دائما تحاول إشراكهم معنا فى اليوم الدراسى وكانت رحلات المدرسة لقرية SOS . مدام ماجدة أيقونة لقوة الشخصية والنظام ولديها قدرة خاصة على التواصل مع الآخرين بدءا من البسطاء من المشرفات على النظافة وحتى الوزراء وكبار رجال الدولة وكانت اجتماعية من طراز فريد ولها علاقات قوية جدا مع جميع المستويات كانت تجيد التحدث باللغة العربية الفصحى والإنجليزية بطلاقة ومثقفة دينيا وعلميا وبدون تعالٍ وكانت متواضعة للغاية وكنت أتشبه بها فى كل شىء وخاصة عندما يطلب منى التحدث أمام الناس كنت أقلدها بدرجة كبيرة فى طريقة كلامها ومنحتنى فرصا وأنا طفلة لكيفية التحدث أمام الجموع بدون خجل أو خوف.
فى مجال العمل، بدأت نشاطى العملى منذ عام 1991 فى القطاع المصرفى وأثر فى شخصيات كثيرة فى هذا القطاع بدءا من خالى حسن نور نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر السابق وكان من رجال الاقتصاد والبنوك المشهود لهم بالكفاءة، وأيضا الأستاذ علاء سماحة وكانت شخصيته تمثل أمامى دائما نموذجا للرجل المصرفى ذى الشخصية القوية وكان من الأسماء الرنانة فى القطاع المصرفى.
وهناك إيمان مختار فى البنك التجارى الدولى والتى رشحتنى أن أحصل على دبلومة فى التسويق المصرفى وهذه الدبلومة غيرت طريقى تماما وانتقلت بعدها للعمل فى الاتصال المؤسسى.


وشاهيناز فودة رئيسة بنك BNP Paribas مصر الذى أصبح بعد ذلك بنك الإمارات دبى الوطنى رغم إننى لم أعمل تحت إدارتها مباشرة فإننى كنت أتابعها وبشغف وهى تدير العمل بحرفية شديدة وكان لديها القوة فى اتخاذ القرار والثقة فى النفس وكانت تعطى الفرص للشباب كى ينطلق ويبدع فى عمله ويكبر، وأنا الآن أطبق ما شاهدته وتعلمته منها فى عملى.


أنتقل إلى أهم مرحلة فى حياتى العملية، وهناك شخصية أثرت فى بشكل كبير جدا وهذا ليس نفاقا ولا مجاملة وهى الأستاذة مرفت سلطان رئيس مجلس إدارة البنك المصرى لتنمية الصادرات وحقيقة تعتبر من أكثر رؤساء البنوك الذين عملت معهم منذ عام 1991 الذين تأثرت بهم لأنها شخصية تملك اتزانا نفسيا كبيرا وتصالحا مع الجميع ورضا، وأهم شىء حريصة على نقله إلينا هو الشغف بالعمل لأنها تحب عملها جدا وبتنقل لنا هذا فعندما طلب السيد طارق عامر محافظ البنك المركزى منها أن تقدم عرضا لما تم تنفيذه فى البنك الفترة السابقة شكلت فريق عمل من رؤساء القطاعات وكنت واحدة منهم وأعطت لكل واحد منا مساحة لعرض ما أنجزه فى إدارته وقال المحافظ بعد العرض للأستاذة مرفت أنت لديك فريق عمل ليس ذا خبرة فقط ولكنهم محترفون وواضح أنهم كل يوم يصلون لعملهم وهم مبسوطون وهذا كان بفضل الأستاذة مرفت لأنها نجحت فى نقل هذا الشغف إلينا.
طوال عملى كنت أتمنى أن أصبح مؤثرة فى المكان الذى أعمل فيه وهذا ما تحقق لى هنا فى البنك المصرى لتنمية الصادرات بفضل الأستاذة مرفت سلطان.

نحن جميعا فى البنك أصبح لدينا رسالة تتوافق مع رسالة الدولة وهى التصدير وتطوير الصورة الذهنية عن مصر أمام العالم وأمام الآخرين ولابد من إظهار تقدم مصر وتحضرها أمام الجميع وننظر جميعا إلى المستقبل والتطور والشباب ولذلك فنحن جميعا فى البنك نعمل من أجل تعميق هذه الأفكار وتنفيذها.
وأصبحت إدارتنا التى أتشرف برئاستها تتولى تنفيذ محورين من ضمن الأهداف الاستراتيجية التى اعتمدها البنك والمكونة من ستة محاور رئيسية وهما المحوران الخاصان بتغيير الصورة الذهنية عن البنك والمسئولية المجتمعية وهذا شرف لنا ونجحنا بالفعل فى هذا بقدر كبير.
وحقيقة أعطتنا الأستاذة مرفت سلطان الفرصة للمساهمة فى تنفيذ طموحات البنك وبدأ الجميع يستخرجون طاقات كانت كامنة بداخلنا ونعمل لساعات طويلة دون ملل لأن الجميع أصبح يشعر بأهمية العمل الذى يقوم به والذى يعتبر كل واحد منا مساهما رئيسيا فى نجاح هذا العمل وتضاعفت أرباح البنك فى أقل من ثلاث سنوات وكسرنا حاجز المليار فى الأرباح ولم يتحقق هذا لأى بنك آخر بهذه السرعة.
وأعتقد أن أسباب نجاحى فى العمل بعد فضل الله تعالى، حبى الشديد لعملى وحبى للمكان الذى أعمل فيه ورغبتى الشديدة دائما للتأثير فى هذا المكان وأى نجاح لا استطيع أن أنسبه لى وحدى ولكن بفضل فريق العمل الذى يعمل معى وكله من أبناء هذا البنك ومكون من ستة أفراد ويطلق عليهم فريق الأحلام وكل ما قمنا به هو إعادة اكتشاف الطاقات الكامنة داخلهم وإعادة تأهليهم بحيث أصبحوا متوافقين مع تلك الإدارة رغم أنهم جاءوا من إدارات مختلفة فى عملها تماما.
وحكمتى المفضلة فى الحياة هى الرضا والطموح لأن الطموح بدون رضا سيتحول إلى طمع، والرضا بالاستسلام وبدون طموح سيتحول إلى تكاسل”.

Related Articles