الإيكونوميست المصرية
مصر بنت الأصول….بقلم: محمد فاروق

مصر بنت الأصول….بقلم: محمد فاروق

بقلم: محمد فاروق

يعيش الإنسان طوال حياته مستندا إلى ركيزة أساسية ودعامة قوية وهى الأصل، وليس المقصود بالأصل النواحى المادية أو الغنى، إنما الأصل هو التاريخ والماضى، وهذا الأصل يظهر فى التعاملات مع الآخرين، وفى لهجتنا المصرية نقول على الشخص صاحب السمات الحميدة إنه “ابن أصول”.
الحال نفسه ينطبق على الدول، فالدول صاحبة التاريخ الطويل والحضارات العريقة، وهى بالمناسبة ليست كثيرة، سنجدها تتشبث بتاريخها وتغرس فى أبنائها أصول حضارتهم وتحرص كل الحرص على أن يظلوا متمسكين بها وفخورين بتاريخهم العريق، فالحضارة تظل مقترنة بالشعب وتؤثر فى سماته وصفاته.
وعلى مدار التاريخ الإنسانى، ظهر العديد من الحضارات التى سطرت تاريخ البشرية وأثرت العالم كله برصيدها المعرفى والثقافى والعلمى، فكانت هناك الحضارة الصينية، وحضارة وادى السند بالهند وباكستان حاليا، والحضارة اليونانية، وحضارة ما بين النهرين فى العراق، والحضارة الكنعانية، وحضارة الأنديز بأمريكا الوسطى والجنوبية التى أسسها الهنود الحمر.
أما الحضارة المصرية فكانت من أعرق الحضارات على هذا الكوكب وأقواها لأنها كانت حضارة متقدمة وشاملة؛ حيث جمعت بين الدين والحياة، فاهتمت بالعبادة وبما بعد الموت وبالبعث والحساب، وفى الوقت نفسه اعتنت بكل شئون الحياة حيث أبدعت فى مختلف علوم الطب والفلك وقياس الزمن والرياضيات والهندسة والعمارة والتحنيط، ولم يضاهيها أحد فى الفنون والرسوم والنقوش والنحت والكتابة والفكر والثقافة، واكترثت بالاحتفالات والطقوس.
كما اشتغلت مصر القديمة بتنظيم الدولة والحكم وإعداد الجيوش، ومارست الاقتصاد والتجارة وتطوير سبل الزراعة والرى، ووضعت القوانين وأرست قواعد تنظيم العمل.
ففى الوقت الذى كان فيه العالم يسكن الكهوف والخيام وتسيطر عليه الأحوال البدائية، كانت مصر تعيش عصر التحضر وتنعم بالتقدم والعلم والمعرفة.
فالحضارة المصرية القديمة من أقدم الحضارات الإنسانية، فقد بدأت الزراعة قبل أكثر من 7 آلاف عام؛ حيث كان فى عام 5500 قبل الميلاد توجد مملكتان على نهر النِيل وهما مصر العليا ومصر السفلى، واللتان تم توحيدهما على يد الملك نارمر عام 3200 قبل الميلاد إيذانا ببدء حضارة مصر العظيمة.
فمصر وطن عريق يعيش فيه الماضى العتيق الممتد من آلاف السنين إلى جانب الحاضر فى تناغم فريد صنع هذا الوطن وشكل وجدان أبنائه وسماتهم، فالجينات لا تموت.
يكفى أن حدثا واحدا تعلق بتلك الحضارة وهو موكب المومياوات، كان كفيلا بأن يتصدر المشهد العالمى ويستحوذ على كامل اهتمام كل القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية، وكيف لا؟ إنها الحضارة الفرعونية العظيمة التى علمت العالم وقادت بوصلته والتى لا نستطيع العيش بدونها، فهى أساس تكويننا ومهد شخصيتنا المصرية ومنبع فكرنا، فتلك الحضارة هى الكنز الحقيقى الذى تتوارثه الأجيال وهى المصدر الأساسى الذى يستمد منه المصريون طاقتهم وعزتهم وشموخهم، فمهما ضاقت الظروف واشتدت، فسيبقى المصرى صلبا صامدا مرفوع الرأس على يقين تام بأنه تسيد العالم وقادر على أن يعود ليفعلها ثانية.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *