الإيكونوميست المصرية
لماذا يجب التخلى عن سلاح الفائدة السالبة؟… بقلم: معتصم هاشم

لماذا يجب التخلى عن سلاح الفائدة السالبة؟… بقلم: معتصم هاشم

بقلم: معتصم راشد

 

كانت هناك بعض الأفكار الاقتصادية الرهيبة خلال القرن الماضى، مثل تفشى الفقر فى روسيا بسبب التخطيط المركزى، وخلق التأميم لصناعات غير فعالة على الإطلاق، وتدمير حوافز الاستثمار بسبب الضرائب التأديبية، وتسبب السياسات النقدية فى تضخم كبير.

إنها أمور يصعب مضاهاتها من حيث مدى السوء والإضرار بالاقتصادات، ومع ذلك، ربما كانت أسعار الفائدة السالبة واحدة من أكثر هذه الأفكار خطورة بشكل أو بآخر، وهى السبب وراء ترحيب الكثيرين بتخلى السويد عن هذه السياسة المهلكة.

فى التاسع عشر من ديسمبر، أعلن البنك المركزى السويدى “ريكسبنك” نهاية تجربته التى استمرت لخمس سنوات مع أسعار الفائدة السالبة، بدافع من مخاوف حيال آثارها على الاقتصاد والشركات والمستثمرين، حيث رفع معدل الريبو الرئيسى ربع نقطة مئوية إلى الصفر.

وجاء قرار أقدم بنك مركزى فى العالم بعد تعرضه لضغوط شديدة جراء سياساته المتبعة منذ الأزمة المالية فى 2008، حيث رفع الفائدة على مدار عامى 2010 و2011، قبل تخفيضها إلى سالب نصف فى المائة، لتظل عند هذا المستوى منذ عام 2016 حتى بداية 2019.

وحذر “ريكسبنك” فى أكتوبر من أن استمرار الفائدة السالبة لفترة مطولة قد يكون له تداعيات مضرة بأداء الاقتصاد، مضيفا عقب القرار الأخير، أن سياسته ستظل توسعية ما دام المعدل الحقيقى لسعر الريبو – المعدل وفقا للتضخم- قرب سالب 2%.

كما تعكس لغة “ريكسبنك”، فإن قرار التراجع عن الفائدة السالبة لم يكن سببه تعافى الاقتصاد (بل إنه تعهد بالعودة إليها مجددا حال تدهور الأداء الاقتصادى) ولكن لأنه وجد هذه السياسة لا تساعد وإنما تزيد الأمور سوءا وتعقيدا.

فى الحقيقة، ربما فعل السويديون جميلا كبيرا للعالم بأسره، فقد تحتاج الاقتصادات إلى طرق جديدة للتحفيز، لكن أسعار الفائدة دون الصفر تخاطر بإلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد، وكلما تخلت البنوك المركزية عن التجربة الخاطئة سريعا كان أفضل.

صحيح أن تكلفة الرهن العقارى لا تزال مرتفعة فى البلاد، لكن بشكل عام لا يزال الاقتراض رخيصا، فالزيادة كان مقدارها محدودا، ولا توجد خطط لرفعها أكثر من ذلك، لكن الدافع وراء هذه الخطوة هو المهم.

مع معدلات الفائدة السالبة، يصبح على المواطنين دفع المال نظير إيداع مدخراتهم فى البنوك، ومن الغريب أنهم سيحصلون على الأموال مقابل الاقتراض، لكن إذا لم يقنع ذلك الناس بالإنفاق وجمع أكبر قدر ممكن من الديون، فمن الصعب معرفة ما الذى يمكنه تشجيعهم على ذلك.

الإنفاق الإضافى المصاحب لهذه السياسة يجب أن يحفز النمو، على الأقل من الناحية النظرية، وهو رأى أجمعت عليه البنوك المركزية فى السويد وسويسرا ومنطقة اليورو واليابان، وحتى الفيدرالى وبنك إنجلترا ربما كانا سيمضيان فى هذا الطريق عند مرحلة ما.

الآثار الجانبية للمعدلات السالبة تشمل تقليص هوامش البنوك إذا لم تتمكن من تمرير الأسعار الجديدة إلى المودعين، وتواجه صناديق التقاعد وشركات التأمين التى تضطر للاحتفاظ بسندات حكومية سالبة العائد، صعوبة فى الوفاء بوعودها للعملاء، إلى جانب تأجج الفقاعات المالية والعقارية.

يدعى البنك المركزى الأوروبى أن الفائدة السالبة بالتوازى مع شراء السندات والقروض طويلة الأجل الرخيصة للبنوك، تشجع المصارف على إقراض أو استثمار أموالها لتجنب دفع رسوم للبنك المركزى نظير الاحتفاظ بها كاحتياطيات إضافية.

ربما كان للفائدة السالبة بعض الآثار الإيجابية خاصة فيما يتعلق بأداء البنوك (يقول البنك المركزى الأوروبى إن المصارف حققت أرباحا أكثر مما كانت ستفعل لو لم يخفض الفائدة إلى السالب).

مكاسب هذه السياسة تبدو محدودة مقارنة بالمخاطر طويلة الأجل والتى تشمل تضخيم الفقاعات أو إلحاق الأذى بالقطاع المصرفى وشركات التأمين وصناديق التقاعد، لذا من الأفضل أن تدوم كتجربة لفترة قصيرة، فكما قال “ريكسبنك”: إنها تساعد الاقتصاد لكن من المحتمل أن تزيد آثارها السيئة إذا استمرت لفترة طويلة.

تجنى المصارف المال عن طريق الفرق بين ما يدفع للمقرضين وما يفرضونه على المقترضين، لذا من الضرورى وجود نظام ائتمانى يعيد تدوير الأموال من خلال الاقتصاد، لكن الفائدة السالبة مزقت هذا النظام ولم تسمح بتوزيع النقد بين المدخرين والمستثمرين.

هذه السياسة تخلق أيضا حوافز ضارة، وتشجع الناس على تحويل أموالهم بعيدا عن النقد وإلى أى نوع من الأصول البديلة وتعد عقابا لأى شخص يحاول الادخار، كما أنها تسمح ببقاء الشركات المتعثرة وسيئة الأداء على قيد الحياة، وبالتالى لم يعد هناك أى حافز لإدارة الاستثمارات بحكمة.

أخيرا، هذه المعدلات السالبة تشوه أسعار الأصول بشدة، حيث تسببت فى رفع أسعار العقارات وأى شكل آخر من الأصول غير النقدية (هددت الشركة السويدية الأكثر نجاحا فى البلاد “سبوتيفاى” بالمغادرة لأن موظفيها غير قادرين على تحمل الإيجارات)، وبالتالى فإنها تشوه الطلب لا تحفزه.

مع استمرار ضعف الاقتصاد العالمى بشكل خطير، قد تحتاج البنوك المركزية إلى طرق أخرى لزيادة الطلب بمجرد خفض الفائدة إلى الصفر، وقد عمل التيسير الكمى بشكل جيد، كما أن الإنفاق الحكومى وخفض الضرائب خيارات ممكنة ونجحت فى الولايات المتحدة.

هناك تكتيكات أخرى باقية للتجربة، مثل ضم ديون الطلبة إلى الميزانية العمومية للبنك المركزى وإلغائها بهدوء، وهو أحد الخيارات الممكنة فى أمريكا، وكذلك التمويل المباشر للمبادرات الخضراء، وفى غضون ذلك، يجب أن يكون العالم ممتنا للسويد لدعوتها الواضحة لوضع حد للتجربة السيئة برمتها.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *