الإيكونوميست المصرية
التـــعلــيم “2”   ——————   بقلم- م. وائل علما

التـــعلــيم “2” —————— بقلم- م. وائل علما


بقلم- م. وائل علما

استوقفنى مقال قرأته مؤخراً فى جريدة الأهرام كتبه الأستاذ/ زكريا عثمان عن التعليم فى كوريا الجنوبية، وأثار هذا المقال فضولى لأبحث أكثر فى هذا الموضوع. أهم ما استخلصته هو أن كوريا الجنوبية أصبح تصنيفها الأول عالمياً فى مجال أنظمة التعليم، وكان سبيلها إلى ذلك هو:
1- وضع استراتيجية للتعليم تغطى كل فئات الشعب وليس التركيز على فئات محددة.
2- التركيز أولا على المرحلة الابتدائية كبداية للبنية التعليمية.
3- تنفيذ خطة شاملة لتطوير أداء المعلمين وذلك عن طريق اختيار أفضل 5% من خريجى الجامعات ليتم تأهيلهم كمعلمين وإغراؤهم بهذا العمل بمرتبات مجزية جداً ومميزات عديدة منها على سبيل المثال الإعفاء من الخدمة العسكرية.
4- بجانب المواد الدراسية فتم الاهتمام أيضا بالرياضة بالمدارس وتنمية المهارات والارتقاء بالقدرات الخاصة.
5- الاهتمام بالتعليم الفنى حيث أصبح يلتحق به حوالى ثلث تلاميذ المدارس الثانوية، وذلك مع ربطه بالصناعة من خلال منظومة فعالة للغاية.
6- تخصيص مدارس للمتفوقين والموهوبين ينموا فيها قدراتهم ويطوروا فيها مواهبهم.
ومن أجل تحقيق هذه الثورة التعليمية فقد رصدت كوريا الجنوبية نحو 20% من ميزانيتها السنوية والتى تبلغ 312 مليار دولار للتعليم المدرسى، نعم 20% من ميزانيتها. وفى رأيى المتواضع أنه لو لم تفعل كوريا الجنوبية هذا فلم يكن ليتحقق لها هذه النهضة الصناعية التى تتمتع بها اليوم.
ذكرنى هذا الموضوع بصديق عزيز لأسرة جدى اسمه الأستاذ/ مصطفى صافى- رحمة الله عليه- كان موجهاً عاماً لمادة الرياضيات فى الإسكندرية، وكان كثيراً من حديثه بالفصحى، وأتذكر مرة أحضر لى كتابين لمصطفى لطفى المنفلوطى وقال لى لابد أن تقرأ للمنفلوطى لتحسن لغتك العربية. أُعير الأستاذ/ صافى إلى السعودية، وكان يتنقل بين مدن المملكة المختلفة بطائرة هيليكوبتر للإشراف على تطبيق المناهج التى شارك فى وضعها. كان هؤلاء هم المعلمون المصريون الذين كانوا نواة التعليم الحديث فى كثيراً من الدول قبل أن يتدهور بنا الحال لنصبح (وياللأسف) ثالث أسوأ دولة فى العالم فى جودة التعليم، ولتصبح جميع جامعتنا- والتى كان بعضاً منها يحتل مراكز متقدمة- خارج أى تصنيف عالمى لأفضل الجامعات.
أما آن الأوان أن ننتبه إلى أن بناء الإنسان هو الأساس، وأنه هو السبيل الوحيد لأى نهضة وقبلها هو الملاذ الأوحد من مسلسل السقوط، وأنه لاجدوى من أى مشاريع عملاقة أو قزمة بدون من يديرها ويعمل بها وينميها ويطورها. أما آن الأوان أن نعى أن هذا الإنسان المطلوب بناؤه هو كل إنسان من المئة مليون مصرى، وليس فقط النسبة الضئيلة جداً التى سمحت ظروفها المادية بالحصول على تعليم أفضل (نسبيا). وبناء هذا الإنسان يعنى تأسيس شخصية وعقلية متوازنة، يعنى تعليما جيدا وفكرا دينيا معتدلا وثقافة ورياضة وفنا راقيا، يعنى معلما مؤهلا لا يشغله ضيق الحال، يعنى مناهج متطورة ومدرسة حكومية حديثة بها معامل وملاعب وأماكن للصلاة وحجرة موسيقى ومسرح. وبالتأكيد لن يتحقق هذا غير فى إطار بدنى سليم معافى، وعن الصحة هناك حديث آخر.
وإذا قلت لى آسف لا يوجد ميزانية لذلك، فسأقول لك عفواً إذا كنا قد وجدنا ميزانية لخلاف ذلك وتركنا ذلك، فلنراجع أنفسنا قبل أن لا نجد فى المستقبل ميزانية لذلك ولا لخلاف ذلك.

Related Articles