الإيكونوميست المصرية
الانتـماء فى خـطـر   ———-  بقلم محمد فاروق

الانتـماء فى خـطـر ———- بقلم محمد فاروق


بقلم: محمد فاروق
جلست فى أحد الكافيهات لمشاهدة مباراة ريال مدريد وليفربول فى نهائى بطولة أوروبا لكرة القدم، وصادف أن جلس بجوارى مجموعة من الشباب فى العشرينيات من أعمارهم واتضح أنهم يشجعون فريق ريال مدريد، وهذا حقهم ومشروع تماما ولا أحد يستطيع أن يجبرهم على تشجيع فريق ليفربول المنافس لمجرد أن لاعبنا المصرى محمد صلاح يلعب ضمن صفوفه.
بدأت المباراة ويبدو على هؤلاء الشباب الاحترام الكامل والعقل والأدب، بغض النظر إذا كان ذلك مراعاة للآخرين أم خوفا منهم، إلى أن جاءت اللحظة الفاصلة التى فضحت ما بداخلهم، وهى لحظة إصابة محمد صلاح لاعب ليفربول منافس الفريق الذى يشجعونه، وهنا وبتلقائية شديدة أعرب أحدهم عن سعادته البالغة بتلك الإصابة، ولم يكتفِ بذلك فقط، بل تمنى ما هو أكثر قائلا: “يارب يكون خلع فى الكتف”!!!
هنا توقفت كثيرا، وظللت طوال المباراة حتى وبعد انتهائها وكلمات هذا الشاب ترن فى أذنى وتصدم تفكيرى الذى لم يستوعبها، ولم يستطع تحليلها وإيجاد مبرر لها.
فكيف يكون هذا الشاب مواطنا مصريا، ويتمنى لأفضل لاعب فى منتخب بلده الإصابة بل والابتعاد عن الملاعب فترة قد تجعله لا يستطيع اللحاق بمباريات منتخب مصر فى كأس العالم الذى لم نصعد له منذ 28 عاما.
ما أصابنى بالحيرة بل والحزن والإحباط، هو أن المشكلة لا تكمن فى مجرد كرة قدم أو فريق أو منتخب أو كأس عالم، لكن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، فدعونا لا نفكر بشكل سطحى ونحصرها فى أن ذلك مجرد شاب يشجع فريقا لكرة القدم، فلو تعمقنا فى هذا الأمر وبحثناه لوجدنا أن هذا الشاب فقد انتماءه دون أن يدرى، لدرجة صار فيها يفضل مصلحة نادٍ أجنبى على منتخبه الوطنى. وللعلم هذا الشاب يمثل فئة ليست قليلة وما فعله لم يكن حالة فردية، وما عبر عنه لم يكن إلا دليلا صريحا وواضحا على عدم الانتماء. فلماذا وصل أبناؤنا إلى هذه المرحلة؟ وكيف صار تفكيرهم بهذا الشكل؟ صدقونى القصة ليست وليدة الأمس القريب بل إنها تمتد لسنوات طويلة مضت، وظهرت بوضوح عندما بدأت قصة الألتراس وروابط تشجيع الفرق والأندية المصرية، فحينها بدأ استقطاب الشباب الذين لم يجدوا من يحتويهم، ولم يجدوا أمامهم سوى تلك الروابط التى صارت بالنسبة لهم الوطن، لدرجة أنهم كانوا ينقلبون على النادى نفسه الذى كانوا يشجعونه وينتمون إليه مقابل نصرة رابطتهم، إذن القصة ليست كرة قدم، بل أكبر بكثير، فهى تتعلق باستقطاب الشباب وخلق وطن بديل لهم سواء تمثل فى فريق أو رابطة أو ما شابه ذلك حتى ولو كان هذا النادى أجنبيا.
هؤلاء الشباب لابد من النظر إليهم وإعادتهم مرة أخرى لحضن بلادهم وإيجاد فرص لهم تعيد لهم نظرة الأمل التى تعتبر الشاحن الأول للانتماء.
فيجب أن نغرس داخل شبابنا الأمل فى غد مشرق، غد يشبههم ويلبى طموحاتهم، غد يجدون فيه أنفسهم وشخصيتهم، ولن يأتى هذا إلا من خلال توفير تعليم جيد لهم يربطهم بسوق العمل ويشعرهم بقيمة ما يتلقونه سواء فى المدارس أو الجامعات، فالطالب للأسف صار يذهب للجامعة أو المعهد كتأدية واجب وهو واثق كل الثقة فى أن ما يفعله إهدار للوقت والجهد والمال، فهو متأكد من أنه سيتخرج ليقف فى نهاية طابور طويل يضم من سبقوه انتظارا لوظيفة تختلف تماما عن حتى قشور العلم التى تلقاها.
هؤلاء طاقة ومورد حيوى بل أهم مورد من موارد الدولة، فاليابان حين انهزمت فى الحرب العالمية الثانية وبدأت من الصفر لم يكن لديها سوى العنصر البشرى كذلك الحال فى ألمانيا، وأيضا دول جنوب شرق آسيا التى كانت منذ سنوات ليست كثيرة تغوص فى الفقر والجهل، تراها الآن تنعم بالتقدم الاقتصادى والرفاهية بسبب الاستثمار فى أبنائها، فتمنحهم العلم الذى ينفعهم وينفعها وتربط طموحهم بأهدافها فيصبحون نعمة وليس نقمة، يجلبون لها دخلا بدلا من استنزاف الأموال، يمثلون لها مصدر أمن واستقرار وليس منبع إرهاب ودمار.
شبابنا هم الثروة الحقيقية الباقية التى لا يضاهيها أى مورد آخر، فلنربط مصالحهم بمصلحة الدولة، وننفض عنهم غبار اليأس والقلق من الغد، حتى ننعم بطاقتهم الغنية وإنتاجهم المتدفق وفكرهم المتطور.

Related Articles