الرئيسية / مقالات / اتخلع وروح عند الست والدتك…….. بقلم: نيفين إبراهيم

اتخلع وروح عند الست والدتك…….. بقلم: نيفين إبراهيم


بقلم: نيفين إبراهيم

أنا من الجيل الذى عاصر فيلم “أريد حلاً” للرائعة فاتن حمامة والذى عرض ووثق لحقبة تاريخية عانت فيها المرأة المصرية الأمرين، وقت أن كانت قوانين الأحوال الشخصية جائرة وكانت فى صالح الرجل وكانت أغلب السيدات ربات بيوت، وإن حدث وأن وقعن فى قبضة زوج قليل الأصل، فحياتهم كانت تنقلب إلى جحيم لا فكاك منه، كما شاهدنا النماذج التى عرضها الفيلم آنذاك، مثل البطلة التى حاولت أن تحصل على الطلاق بكل الطرق ولم تستطع على الرغم أن زوجها يكرهها ويعذبها ولا يريدها ولكنه لا يقبل أن تطلب هى الطلاق. فكان أن وقعت فى غرام رجل آخر وهى متزوجة والنموذج الثانى للمرأة التى طلقها زوجها وتزوج بأخرى ورفض أن يصرف عليها وعلى أولاده منها، فانحرفت حتى تستطيع أن تعيل أولادها والمرأة التى طلقها زوجها بعد أربعين سنة زواج وتزوج بأخرى ورفض أن ينفق عليها إلى أن ماتت وهى تجرى خلفه فى المحاكم محاولة الحصول على نفقة تعيش بها ويوم أن ماتت كانت قضية النفقة مازالت تُنظر فى المحكمة.
عكَسَ الفيلم واقعا مريرا عاشته المرأة المصرية قبل أن تتغير القوانين وتُنصفها تدريجيا حتى أخذت حقوقها كاملة بعض الشىء.
نشأتُ فى أسرة تعلمت من دروس الماضى وصارت مؤمنة بأن الزواج ليس هو أهم شى يتمنونه لبناتهم، فصارت النصيحة التى أصحبت ترن فى أذناى دائما: “الشهادة يا نيڤين، العمل، ضرورة إثبات الذات، الاستقلال الاقتصادى ثم الزواج”.. وسمعَتْ إحدى سيدات العائلة جدتى وهى تردد هذه النصائح لى، فردت قائلة: “الشهادة سلاح البنت ؟!!”
ثم أكملت مُستنكرة: “ليه هو احنا هنحارب؟” وشجعت هذه المرأة ابنتها على الزواج مبكرا وأكملت تعليمها بعد الزواج ولكن لم تعمل، وإذا بالأيام تضع الأبنة أمامى فى موقف ما، وأسمعها تقول: “الله يسامحك يا أمى، ياريتك نصحتينى أن أعمل قبل أن أتزوج”. ورفعت القبعة مرة أخرى لجدتى وعائلتى وحمدت الله كثيرا أنهم أرسوا فى تكوينى أهمية الاستقلال الاقتصادى، الذى لاشك، يعطى للمرأة قوة وطمأنينة ومقدرة على السيطرة على زمام حياتها تحت أى ظرف.
كانت مشكلة جيلى أن حوالى تسعين فى المائة من الزيجات -التى قامت غالبا على الحب- تحولت بمرور الوقت إلى كابوس وشهدت الكثير من البيوت ما يسمى بالطلاق الصامت تحت اسم الحفاظ على مصلحة الأولاد، لكن فى واقع الأمر، كانت المشكلة اقتصادية بحتة، فمعظم من عانين من هذه المشكلة كن سيدات مسالمات استسلمن لطلبات أزواج الثمانينيات بألا تعملن لأنه هو الرجل وهو المسئول عنها وعن البيت وأنه لا يأمن ولا يقبل أن تخرج زوجته للعمل؟ وبدأت ظاهرة انتشار حجاب المرأة بعد الزواج مباشرة وإهمالها لنفسها وتضخم جسدها وتفانيها فى خدمة بيتها وأولادها مع نسيان الاهتمام بنفسها تماما. وأفرزت هذه الأوضاع مشكلة جديدة فى المجتمع، تفاقمت عندما ضاق أغلب الرجال بالحال، فإذا بنا نواجه حقبة زواج الرجال سرا من السكرتيرات صغيرات السن اللاتى كان أغلبهن يصبغن شعورهن باللون الأصفر (نسخة عكس الزوجة المتفانية تماما) وكان الأمر يصل فى بعض الأحيان إلى أن تكون الزوجة على علم ولكن حفظا لماء وجهها تدعى عدم المعرفة.
أما الأجيال الجديدة، ففى العقد الماضى، قليل منهم من وقف حائرا عند اكتشافه فشل الزيجة وعجز عن إيجاد حل، وكثيرات، خلعن الزوج بأمه وبخله وقرفه بدم بارد وبمنتهى القوة والتصميم ولم يشفع وجود طفل أو حتى اثنين بأن تستمر الزيجة، وخرجت السيدات أكثر قوة من زيجات فاشلة ولم تعد كلمة مُطلقة تضير أحداً، ولم لا والإحصائيات تؤكد أن المرأة غزت كل المجالات للعمل ونجحت وأثبتت تفوقا والتزاماً فاق فى كثير من الأحيان أقرانها من الرجال.
اليوم.. المرأة والأجيال الجديدة بصفة عامة لا يُضيعون أوقاتهم فى البقاء فى زيجة فاشلة وكأنهم يعلنون بأعلى صوت رفضهم إعادة إنتاج مؤسسات زوجية فاشلة مثل زيجات آبائهم التى استمرت كإطار اجتماعى زائف وخلفه الكثير من قصص الخيانة الزوجية والعذاب والشقاء لكل أفراد الأسرة.
أما الموجة القادمة، فهى رفض البنات للزواج التقليدى وبحثهم عن الرجل المناسب الذى لم يعد حقيقة موجودا نتيجة التربية الخاطئة للأسف من أمهات يقدمن للمجتمع أبناء ذكورا لا يمكن الاعتماد عليهم ويفتقدون الأخلاق والقيم والمثل التى تجعل أى أمرأة تحترمهم وتثق فيهم.
وآخر صرعة لكثير من الشباب حديثى الزواج هى: “لا أريد أن أنجب أطفالا أعذبهم فى هذا العالم غير العادل”.
لا أعرف إلى أين نحن ذاهبون ولكن أعلم أن الأزمة أخلاقية وتربوية فى المقام الأول، الأم هى الأساس، هى من تربى الولد والبنت، هى من تُرسى فى عقول أبنائها القيم التى سيعيشون فيها وبها طوال العمر، وقد هالنى ما سمعته من أغنية غنتها فنانة معروفة لأبنها فى عرسه مؤخرا وجاءت صادمة لأن كل كلمات الأغنية كانت تنصح عروس ابنها بان تتحمله وأن تخدمه وأن تطبخ له وأن وأن ولم توصيه مرة واحدة بعروسه وكانت بعض كلمات الأغنية تعبر أيضا عن أنه ملكية خاصة لها أى الأم، ستتركه لعروسه بعض الوقت ثم لابد أن يعود لها!
الصدمة جاءت من كون الفنانة شخصية محترمة تمثل الطبقة المتوسطة المرتفعة وتعد أما مصرية لها مكانتها ومعروفة ومحبوبة، وتذكرت كلمات أغنية ماجدة الرومى الشهيرة “طلى بالأبيض طلى” لابنتها فى عرسها وكم كانت الكلمات ومازالت راقية وكلها دعاء أنيق للعروس وزوجها، مما جعل الأغنية الأكثرتميزا فى الأعراس لعقود.
الحقيقة أنا لست بصدد النقد للنقد لأنه لو كانت أى أم قد غنت مثل هذه الأغنية، لقلنا لن يشعر بها أحد، ولكن فنانة محبوبة ومؤثرة، أتصور أنها لم تقصد الإساءة إنما عبرت بعفوية عن أسلوب فهم أمهات الأزواج الذكور لدور زوجة ابنهم وهى مأساة لابد أن تنتهى، فالزمن تغير والبنات عملن ونجحن وصرن وزيرات وسفيرات ولا يقبلن بالتدخل السافر من أهل الزوج فى أمور حياتهم.
ما بين ما عانته المرأة فى فيلم “أريد حلاً” وحتى مرحلة “اتخلع وروح عند الست والدتك”، مرت المرأة المصرية بتطورات كثيرة ولا شك أنها أصبحت أكثر صلابة وأتمنى من كل أم مصرية أن تفطن لحجم الجريمة التى ترتكبها فى حق ابنها وزوجته يوم أن تسمح لنفسها بالوصاية عليهم من قريب أو من بعيد. الأمومة الحقيقية أن تقبل بزوجة ابنها وتعتبرها ابنتها بمنتهى الصدق، يومها فقط، ستعود الثقة للأجيال الجديدة وقد تنتهى موضة “مش عايز أجيب أولاد فى العالم ده”.

عن Economist2egy