الإيكونوميست المصرية
كتالوج الإنسان………..بقلم: محمد فاروق

كتالوج الإنسان………..بقلم: محمد فاروق

محمد فاروق

عندما تشترى سيارة جديدة أو أى جهاز حديث فمن الطبيعى أن تقرأ كتالوجه كى تستخدمه الاستخدام السليم حتى لا تفسده أو تهلكه سريعا بالإضافة إلى التعرف على إمكانياته التى تجهلها، هذا تماما ينطبق على الإنسان، فكثير منا لا يعلم كيف يتعامل مع نفسه وبالتالى يجهل التعامل مع الآخرين، وكثير منا تصيبه “أعطال” نفسية من ضيق واكتئاب وملل ويأس وقد لا يعرف ما سبب ذلك وإن عرفه قد لا يستطيع علاج المشكلة وحلها.
فمن العجيب حقا أن نحرص على قراءة كتالوج الأجهزة التى نقتنيها ونعرف عنها كل صغيرة وكبيرة وبمجرد أن يصيبها أى عطل نسارع بإصلاحها أو نذهب بها للمتخصصين، وفى المقابل عندما نتعامل مع أنفسنا التى لا يوجد لها بديل والتى هى أثمن شىء نقتنيه فى الحياة، فإننا نضرب بكل ذلك عرض الحائط ولا نحرص حتى على مجرد التعرف عليها.
فمن الواضح أن معظم الناس يجهلون التعامل مع أنفسهم، رغم الادعاء بأنهم يفهمون جيدا كيف يتعاملون مع البشر وأن خبراتهم فى الحياة كبيرة وأن ما مروا به من تجارب يملأ كتبا ضخمة وأنهم تعاملوا مع كل نوعيات البشر، وهنا يكمن الخطأ الفادح، فعلى سبيل المثال من يتعلم قيادة السيارات بطريقة خطأ فى البداية يظل عمره كله يقود خطأ معتقدا أنه على صواب وأن كل من حوله لا يفهمون شيئا فى القيادة ويظل بسبب ذلك يعانى ولا يدرى لماذا، السبب طبعا هو أن العيب كامن بداخله لكنه لا يعلم ذلك لأنه لم يتعلم الصواب من البداية ولم يقرأ كتالوج القيادة الصحيحة.
هذا هو الإنسان ببساطة، فمعظمنا يظن أن أفقه خلق الله فى التعامل مع الآخرين، بل يضع القوانين الخاصة بالتعامل مع البشر عن دون دراسة وبغير وعى، فإن سرقه أحد فى بداية حياته يعيش عمره كله معتقدا أن كل الناس لصوص، وإن هجرته حبيبته بسبب ضيق حاله يظن أن كل النساء تلهثن وراء المادة، وإن عرف زوجها امرأة أخرى تعتقد أن كل الرجال خائنون، وهكذا.
وبذلك يبقى الإنسان أسيرا لتجاربه الشخصية، بل وتجارب الآخرين والمحيطين به أيضا، دون أدنى وعى منه بأنه بهذا الفعل يعمم الحالات الفردية ويجعلها قانونا يطبقه على كل البشر، وبالطبع كلها قوانين معيوبة تدمر الشخص نفسه وتفسد علاقاته بالآخرين.
قد يكون الإنسان معذورا فى السابق عندما لم تكن المعلومات متوفرة ولم يكن لديه مصادر متنوعة سهل الحصول عليها، ولكن الآن وبعد ثورة المعلومات التى نعيشها حاليا فليس له أى عذر فى أن يظل جاهلا وتبقى أفكاره مشوشة، فالآن صارت التنمية البشرية علما راسخا له مؤسسون وعلماء ومر بتجارب لا حصر لها قبل أن يصل إلى هذه المرحلة المتطورة الدقيقة فى فك طلاسم النفس البشرية وكيفية تعامل الإنسان مع نفسه وفهمها وتطويعها وتطويرها، وكيفيه تعامله مع أفكاره وتحسينها مما ينعكس على سلوكه وحياته كلها، وكيفية تعامله مع الأنماط المختلفة من البشر وتعريفه بدوافعهم ومحركاتهم وأسباب المواقف التى يتخذونها سواء معه أو مع غيره، وتعليمه كيف يتحدث وكيف يستخدم لغة الجسد ونبرة الصوت وطريقة إقناع الآخرين وكيف يستمع إليهم ويتقبلهم ويتعايش معهم، بخلاف طرق تنظيم الوقت والتخطيط للحياة ووضع الأهداف وكيفية تحقيقها وعدم اليأس من الإخفاق، فضلا عن كيفية التعامل مع الزملاء فى العمل والمديرين والمرؤوسين، ومع الجيران، ومع الأصدقاء، ومع الأهل، ومع شريك الحياة، وكيفية تربية الأبناء، وكيفية التأمل وتذوق مباهج الحياة واتخاذ القرار بأن تكون سعيدا، والسيطرة على الأفكار والمشاعر السلبية والتحلى بضبط النفس والثبات الانفعالى، بمعنى أشمل كيفية إدارة حياتك وعملك وعلاقاتك بالآخرين وتعاملك مع نفسك.
وللعلم، كلما ازدت قراءة فى هذا العلم ازدت إيمانا، لسبب بسيط هو أن كل هذا العلم ستكتشف أنه موجود فى الدين، لكن ليس كل الناس لديهم القدرة على الاستنباط واستخراج المعلومات وحصرها.
اهتموا بمعرفة أنفسكم جيدا، فهى المحرك لحياتكم والمحدد الرئيسى لسعادتكم أو حزنكم، والأداة الأساسية لرسم شكل العلاقة مع الآخرين، واحرصوا على اقتناء كتب التنمية البشرية مهما تقدم بكم العمر وستجدون الفارق الكبير قبل وبعد، وفى الوقت نفسه احرصوا على فهم الدين فهما صحيحا واعملوا به حينها ستنعمون بحياة سعيدة بإذن الله تعالى.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *