الإيكونوميست المصرية
صلاح ومانى.. والفكر الحديث…..بقلم: محمد فاروق

صلاح ومانى.. والفكر الحديث…..بقلم: محمد فاروق


بقلم: محمد فاروق

عاش المصريون خلال الأشهر الثلاثة الماضية فترة اهتمام كروى مكثف، نتيجة مشاركة منتخبنا الوطنى فى كأس أمم أفريقيا ووصوله للمباراة النهائية وكذلك وصوله للمرحلة الأخيرة فى تصفيات كأس العالم، والمصادفة العجيبة أننا وقعنا فى المنافستين فى صدام مع السنغال الفريق الأقوى على مستوى القارة الأفريقية بلا منازع.
وبعد انتهاء بطولة أمم أفريقيا وكذلك تصفيات كأس العالم وبعد الصدام الذى وقع بين مصر والسنغال والأحداث المؤسفة التى تعرض لها المنتخب المصرى فى دكار، ومع عودة كابتن منتخب مصر محمد صلاح وقائد المنتخب السنغالى ساديو مانى إلى إنجلترا وانضمامهما إلى صفوف ناديهما ليفربول، ظن معظم المصريين أن الصدام آت لا محال بين الاثنين آجلا أو عاجلا وأنهما على الأقل لن يتعاونا فى الملعب.
ولكن ما حدث عكس ذلك تماما، فقد رأينا صلاح ومانى فى الملعب فى قمة التعاون والانضباط بدرجة أفضل مما سبق بمراحل، بل كانا حريصين كل الحرص على عدم الأنانية ومعاونة بعضهما البعض من أجل المساهمة فى انتصار فريقهما.
هنا نحن لا نتحدث عن كرة القدم، بل عن الفكر الاحترافى والأيديولوجيا الحديثة فى العمل التى تعلى المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة وتبحث عن أوجه التعاون والتشابه وليس نقاط الصدام والاختلاف، فالفكر المتطور يتخطى الخلافات فى سبيل الوصول لنتيجة تفيد الطرفين، وهذا الفكر لا يقتنع بمبدأ “هدم المعبد فوق الجميع” ولا يؤمن بنظرية “علىّ وعلى أعدائى” التى يخرج فيه الجميع خاسرا، بل يعطى الأولوية دائما لكيفية الاستفادة قبل التفكير فى كيفية إيقاع الضرر بالغير.
هذا الفكر هو الذى ينتشر فى بيئة العمل فى الدول المتقدمة بين المديرين ومرؤوسيهم، وبين العاملين بعضهم البعض، فلا تجد مديرا فى العمل يحجب أصحاب المهارات والكفاءات ويزيحهم خوفا منهم على موقعه أو منصبه لمجرد أنه شعر بداخلهم ببداية نبوغ أو عبقرية، ولا تجد عاملين يكيدون لبعضهم البعض ويتعمد كل منهم إفشال الآخر والوشاية به وتشويه صورته أمام المديرين كى يظل هو العامل الأمثل، ولا تجد من يحجب المعلومات عن زملائه فى العمل ويضللهم ويتفاخر بأنه عند غيابه يوما واحدا عن العمل تتوقف الحياة ويفشل الجميع لأنه الوحيد العالم بدهاليز العمل وخباياه.
لو رجعنا للتاريخ، سنجد أن دول المحور ودول الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية التى استمرت لمدة ستة أعوام من 1939 حتى 1945 وراح ضحيتها أكثر من 60 مليون شخص، تلك الدول بعد أن كانت تتصارع ولا تتحدث إلا بالمدافع والقنابل المدمرة، صارت تتحدث بلغة المصلحة المشتركة والتحالفات الاقتصادية، بعد أن أيقنت أن الحرب ضرر للطرفين المنتصر والمهزوم.
فالآن.. التقدم صار عنوانه التعاون، والازدهار أصبح سبيله التكاتف، فلغة الغابة لا تنتج سوى الدمار، والإفشال لا يفرز غير إضعاف القوى واستنزاف الموارد.
الفكر المتطور، حتى ولو ظهر أمامنا فى مجال مثل الرياضة، فعلينا أن نتعلم منه كيف لا نبحث عن أوجه الخلاف بيننا، وأننا جميعا فى مركب واحدة إذا نجت نجونا جميعا وإذا غرقت فليس لها من دون الله كاشفة، نتعلم كيف نتعاون فى مجال العمل، وكيف لا نخاف من الكفاءات ونتعلم كيف نمهد لهم الطريق لأن فى نجاحهم نجاحنا ونجاح المؤسسة كلها، نتعلم كيف نحل المشاكل بين المرؤوسين لا أن نرسخ مبدأ “فَرِّقْ تسُدْ”، نتعلم أن نمدح الذى يجيد وأن ذلك لا يقلل من شأننا، نتعلم إعطاء كل ذى حق حقه، وإعطاء العمل نفسه حقه، وتحمل المسئوليات قبل البحث عن السلطات وأداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، فالتقدم يبدأ بتطوير الفكر الذى بدوره ينهض بالعنصر البشرى ومن ثمَّ الدولة كلها.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *