الإيكونوميست المصرية
دراسات حول التفجير المبكر للفقاعات الاقتصادية

دراسات حول التفجير المبكر للفقاعات الاقتصادية

بقلم: معتصم راشد

قد يكون خبراء الاقتصاد اقتربوا بالفعل من معرفة كيفية حدوث الفقاعة فى الأسواق، لكن تفجير الفقاعة قبل أن تصبح ضخمة وتنفجر فى وجوهنا هو المشكلة الأصعب.
وقد تزايدت أهمية دراسة ظاهرة فقاعة الأسواق بصورة كبيرة خلال العقود الأربعة الماضية، بعد أن أصبح انفجار الفقاعة أكثر إثارة وخسائره أكبر. وكان انفجار فقاعة الأسهم الأمريكية عام 1987، فيما عرف فى ذلك الوقت باسم “الاثنين الأسود”، بمثابة صيحة تنبيه لهؤلاء الذين افترضوا أن الأسواق تعمل بصورة فعالة.
فلم يكن هناك أى سبب واضح يجعل المستثمرين العقلانيين يكتشفون فجأة أن قيمة الشركات الأمريكية قد انخفضت أكثر من 23 فى المائة خلال يوم واحد. وجاءت فقاعة شركات التكنولوجيا فى التسعينيات لتكون أشد اضطرابا لأن كثيرا من المراقبين كانوا قد حذروا من حدوثها بالفعل. وتكرر السيناريو مع الفقاعة العقارية فى 2008. وما أن تنفجر هذه الفقاعة حتى يتضرر الاقتصاد الحقيقى بشدة، فتراجع أسعار الأصول بشدة نتيجة انفجار الفقاعة يرتبط بارتفاع مستويات الدين.
ويقول المحلل الاقتصادى سميث نواه، فى تحليل نشرته وكالة بلومبرج، أن الباحثين يطورون مجموعة كبيرة متنوعة من النظريات التى تفسر الارتفاع المفاجئ لأسعار الأصول وتراجعها بشدة. وأدت صعوبة تحديد سبب حدوث الفقاعة إلى صعوبة وضع سياسات لمنع حدوثها، لكن الفترة الأخيرة شهدت تركيزا متزايدا من جانب المحللين الاقتصاديين على ما يسمى “التوقعات المستقلة”، فلسبب ما يبدو أن المستثمرين يقررون فى بعض الأحيان أن تحسنا طارئا فى العائد على الاستثمار هو تحسن أكثر استدامة وعمقا، وليس طارئا.
وقدم الخبراء شينيو جاو وميشيل سوكين ووى شيونغ ورقة بحثية تدعم هذه الفكرة. فقد درس الباحثون الثلاثة تطور أسعار المساكن فى أثناء الفقاعة العقارية، وقارنوا بين الدول على أساس التغيير فى معدلات الضرائب على الأرباح الرأسمالية فى كل دولة. واكتشف الباحثون أن الدول ذات الضرائب الأعلى على الأرباح الرأسمالية أقل عرضة لحدوث فقاعة وانفجارها. وبشكل أكثر دقة، اكتشف الخبراء أن الدول التى تفرض ضرائب منخفضة على الأرباح الرأسمالية، تشهد زيادة فى شراء الأصول العقارية بغير هدف الاحتفاظ بها مع ارتفاع أسعارها. وأبسط شرح لهذا النموذج هو أن ارتفاع الأسعار دون ارتفاع فى الضرائب يجعل الناس تتوقع تراجع الأسعار مجددا، لذا يبدأون التفكير فى أن الاتجاه الصعودى للأسعار سيتواصل فى المستقبل المنظور، وبالتالى يواصلون الشراء.
وقدمت دراسة حديثة لبنك كندا المركزى دليلا مختلفا يشير إلى الاتجاه نفسه.
واكتشف الخبراء من خلال استطلاعات للرأى العام أن أغلب الناس يتوقعون ارتفاع أسعار المساكن وانخفاضها خلال خمس سنوات. لكن عندما عرض الباحثون على الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع بيانات تطور الأسعار الأخيرة، بدأوا يعتقدون أن الاتجاه الحالى للأسعار سيستمر خلال السنوات الخمس المقبلة. وهناك أوراق بحثية أخرى توصلت إلى النتائج نفسها تقريبا. وقد اكتشفت خبيرة الاقتصاد تريزا كوشلر، وزميلها بسيط ظافر، أنه فى المناطق التى ترتفع فيها أسعار المساكن على المستوى المحلى، يتوقع الناس ارتفاع أسعارها على مستوى الدولة ككل. كما اكتشف الباحثون شى دا وشينغ هوانغ ولورانس جى أن التوقعات الاستنتاجية تؤثر تماما على تعاملات مواقع التعهيد الجماعى على الإنترنت.
بالطبع، لا يتوقع المستثمرون استمرار الاتجاهات الصعودية الحالية للأسعار إلى ما لا نهاية. إذن، ما الذى يجعلهم يتحركون وفقا للتوقعات الاستنتاجية؟ قد يحدث ذلك عندما ترتفع الأسعار بشدة حتى تصبح ملحوظة بصورة أكبر. وفى هذه الحالة، تفترض التوجهات النفسية البشرية أن هذه الأسعار هى واقع جديد. فإذا كانت أسعار المساكن فى منطقتك ترتفع وتنخفض بشكل طبيعى، ثم بدأت ترتفع بشدة بشكل مفاجئ وبنسب عالية سنويا ولعدة سنوات، فقد تفترض أن قواعد اللعبة قد تغيرت. فى هذه الحالة، سيكون رد الفعل هو الإقبال المتزايد على الشراء، رغم ارتفاع الأسعار.
وقد يرد المدافعون عن فاعلية الأسواق، وقدرتها على ضبط نفسها ذاتيا، بالقول إنه فى حال حدوث مثل هذا السيناريو، فإن المستثمرين الأذكياء سيفكرون بعمق فيما إذا كان السعر المرتفع مبررا، وفقا لأسس السوق، وبالتالى سيدركون أنه لا يوجد ما يدفعهم لمواصلة الشراء، والرهان على استمرار ارتفاع الأسعار، فتعود السوق إلى أوضاعها الطبيعية. ولكن خبراء الاقتصاد يرون أن هؤلاء المستثمرين، ونظرا لأن قدرتهم محدودة على منع ظهور الفقاعة، فإنهم يفضلون استغلال الموقف، ودفع الأسعار إلى الارتفاع لفترة من الوقت؛ وهذا يجعل الفقاعة أسوأ.
لذلك، بدأ خبراء الاقتصاد تكوين صورة لكيفية حدوث الفقاعات. فبعض الأحداث، مثل زيادة المعروض من قروض التمويل العقارى، تؤدى إلى زيادة الطلب على المساكن أو الأسهم، وبالتالى ترتفع الأسعار لسنوات قليلة. يرى المضاربون ذلك، كما يرون أن الأسعار ستواصل الارتفاع، ولذلك يواصلون الشراء فتزيد الأسعار مجددا، وهكذا. ويدرك المستثمرون العقلانيون أن ما يحدث هو فقاعة، لكنهم يقررون الشراء لفترة من الوقت، ثم يحاولون التخلص مما لديهم من أصول بأعلى سعر. وتنفجر الفقاعة عندما تنكمش القدرة المالية للمضاربين، فلا يستطيعون مواصلة الشراء.
فإذا كانت هذه النظرية فى تعريف الفقاعة صحيحة، يصبح السؤال: كيف يمكن للحكومات أن تقضى على ظاهرة الفقاعة فى مهدها؟ يقترح جاو وزملاؤه زيادة الضرائب كوسيلة لمنع الفقاعة. وإذا استطاع خبراء الاقتصاد تحديد عدد سنوات ارتفاع الأسعار، وليكن ثلاث أو خمس سنوات، المطلوب لخلق انطباع بأن هذا الاتجاه الصعودى دائم، يمكن لصناع السياسة وضع قواعد لفرض زيادة مؤقتة فى ضريبة الأرباح الرأسمالية للرد على ارتفاع الأسعار.
فإذا نجح مثل هذا النظام الضريبى الذاتى فى منع ظهور الفقاعات، فسيكون ذلك انتصارا كبيرا على صعيد علم المالية السلوكى، وعلى صعيد مخاوف أى إنسان من تداعيات خروج أسواق الأصول عن السيطرة.
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *