بقلم: أشرف الليثى
“دائما ما تظهر معادن الرجال وقت الشدة”.. شاءت الأقدار أن تمر على مصر خلال الأسبوع الأخير فقط عدة مواقف وشدائد ضخمة جدا وكأنها كانت بمثابة اختبارات متلاحقة لتظهر للعالم أجمع معدن المصريين خاصة البسطاء الذين يعملون فى صمت ودون ضجيج وبلا أى هدف سوى إنقاذ أرواح بشرية والحفاظ على سمعة بلدهم مصر.
لم يدرك عبد الله شحته عبد الجواد سائق الحفار الذى خاطر بحياته من أجل رفع الرمال من أمام مقدمة السفينة “إيفر جيفين” التى شطحت فى القناة أنه يقوم بعمل عظيم ربما فاق كل التوقعات وربما كان سببا مباشرا فى إبحار السفينة وإنقاذ سمعة مصر والمصريين وقناة السويس، لم يفكر أنه فى لحظة ممكن يفقد حياته لو مالت السفينة العملاقة على الحفار وسوته بالأرض، لم يفكر فى أن مصير التجارة العالمية كان متوقفا على هذه اللحظة التى يتم فيها إبحار السفينة دون خسائر ودون انتظار فترة طويلة فى القناة.
ما قام به عبد الله شحته ابن قرية دنجواى مركز شربين محافظة الدقهلية عمل أكثر من رائع يدخل فى عِداد الأعمال الانتحارية ولذلك اختارته مجلة تايم رجل العام وعن حق وجدارة ووصفته بأنه بطل عملية التكريك للسفينة “إيفر جيفين” الجائحة فى قناة السويس.
الشخصيات الأخرى التى نالت إعجاب المصريين جميعا، شباب ورجال أبناء محافظة سوهاج الذين توافدوا بالمئات على المستشفيات للتبرع بالدم لإنقاذ مصابى حادث تصادم القطارين، وقام معظم سائقى “التوكتوك” بنقل المتبرعين مجانا للمستشفيات وضحوا بقوت يومهم اليومى ولم يفكروا فى أى شىء سوى إنقاذ ضحايا القطارين، وقام عدد آخر باستضافة جميع أهالى الضحايا الذين توافدوا من أماكن ومحافظات مختلفة للاطمئنان على ذويهم، وفتحوا بيوتهم ورغم بساطة حالتهم المعيشية فإن كرم الضيافة ودفء المشاعر جعلتهم أغنى الأغنياء فى نظر الشعب المصرى الذى غمر صفحات التواصل الاجتماعى إشادة بأخلاق وكرم ومروءة الصعايدة والتى تظهر وقت الشدة وفى الأزمات.
لاشك أن المصريين ربما يملكون جينات مختلفة عن باقى شعوب العالم، فعند الأزمات تجد تصرفاتهم مختلفة تماما لا يفكرون سوى فى شىء واحد فقط هو مصر وسمعتها، ويستحضرون المخزون الحضارى المتعمق تحت جلودهم منذ آلاف السنين وترتقى تصرفاتهم ويقدمون حياتهم فداءً لعمل ربما يكون بسيطا ولكن مادام سينقذ سمعة بلادهم فكل شىء يهون. حقيقة شخصية المصرى تحتاج إلى فهم عميق من جانب أى محلل؛ فالمصرى له ثوابت فى شخصيته على مر السنين وإذا ما نظرنا إلى التحليلات البسيطة التى خرجت منذ مئات السنين على لسان الحجاج بن يوسف الثقفى ستجد وصفا دقيقا للشخصية المصرية حيث قال: “ما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلَد، ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه”.
هذا أبلغ وصف لشخصية المصريين منذ قديم الزمان ولم تتغير حتى الآن بل وحتى يوم الدين.