الإيكونوميست المصرية
“ليه لأ”……….. بقلم: نيفين إبراهيم

“ليه لأ”……….. بقلم: نيفين إبراهيم


بقلم: نيفين إبراهيم

عُرض مؤخرا مسلسل “ليه لأ” للفنانة أمينة خليل، وجاء العمل صادما للبعض ولكنه مقبولا بل ومطلوبا من البعض الآخر.. عرض العمل نموذجا موجودا وبقوة فى المجتمع المصرى والشرقى وهى الفتاة التى يجب أن تفعل كل شىء حسب رغبة أسرتها وحسب العرف والتقاليد بغض النظر عما إذا كان أحد هذه القرارات المصيرية الذى تحدده لها الأسرة هو الزواج لأنها وصلت لسن الثلاثين وخوفا من أن تلتصق بها كلمة عانس وبغض النظر أيضا عما إذا كان العريس مناسبا لها أم لا.
لا شك أن المرأة بصفة عامة قد نالت حقوقا كثيرة فى بعض المجتمعات وفى بعض الطبقات الاجتماعية، وكلنا نعرف أنه حتى فى الطبقات الفقيرة فإن نموذج المرأة المعيلة موجود وبشدة وعليه فلا يمكن القول بأن المرأة لم تعد مستقلة اقتصاديا.. ولكن يختلف تأثير الاستقلال الاقتصادى حسب الظروف الاجتماعية وحسب الشخصية وحسب درجة الحاجة إلى المال.
فى هذا المسلسل لم تكن البطلة فى حاجة إلى المال، فهى من عائلة مقتدرة وتعمل فى وظيفة مرموقة فى مصنع عائلتها، لها ورث شرعى فيه بحكم أنه ورث أبيها ولكن عمها هو الآمر الناهى فى الشركة، عقليته متحجرة بعض الشىء لا يقبل التغيير ويرفض أفكار شباب العائلة بما فيهم ابنه ولا يريد التطوير.. وهى قضية أخرى شائكة فى مجتمعاتنا العربية حيث إن الشباب لا يأخذ فرصته بسهولة لإثبات ذاته، إذ أن العرف هو أن الأكبر يعرف أكثر مع أن العالم كله متجه الآن نحو إعطاء الشباب مناصب قيادية، فتجديد الدم مطلوب لأرتقاء المجتمعات والشركات والعالم كله.
نعود إلى القصة الرئيسية فى المسلسل وهى هروب البطلة فى يوم فرحها حيث لم تكن مرتاحة أصلا للزيجة وشعرت فى لحظة أن عليها أن تتخذ موقفا حاسما وتنجو بنفسها قبل أن تتورط فى زيجة تعلم جيدا أنها لن تكون سعيدة فيها .. نجح المسلسل فى تسليط الضوء على هذه القضية الخطيرة التى أراها دائما السبب الرئيسى فى كثير من المشاكل الاجتماعية التى ظهر أثرها وبقوة فى الآونة الأخيرة فى معظم البيوت المصرية، فقد ارتفعت نسب الطلاق فى مصر فى عام 2019 وأصبحت خطرا تتصاعد معدلاته بوتيرة مخيفة، وبحسب تقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء، فإن حالات الطلاق فى مصر أصبحت بواقع حالة واحدة كل دقيقتين ونصف الدقيقة وتبين أن نسبة غير المتزوجين من الشباب والفتيات وصلت إلى 15 مليون حالة، كما يقدر عدد المطلقات بأكثر من 5.6 ملايين على يد مأذون ونتج عن ذلك مشاكل اجتماعية لأكثر من 7 ملايين طفل بالإضافة إلى 250 ألف حالة خلع.
وللأسف فإن أعداد حالات الطلاق فى العالم العربى كارثية ولا تتوقف فقط عند مصر بل تتعداها لتصل إلى دول المغرب العربى ودول الخليج والأردن ولبنان. وتختلف أسباب الطلاق، إما لاختلاف المستوى الفكرى والثقافى أوالخيانة وعدم الاحترام أوعدم تحمل المسئولية وخاصة من قِبل الأزواج الرجال، إضافة إلى تعمد أحد الطرفين إخفاء حقائق حول وضعه المادى، أيضا فى الرجال حيث يتعمد بعضهم الظهور بحقيقة غير حقيقته المادية حتى تتم الزيجة. أما الكارثة الحقيقية وبحق فهى تدخل الأهل وممارستهم بعض الضغوط حيث إن المجتمع هو بالظبط مثلما صوره المسلسل يرفض فهم أن الأبناء شخصيات مستقلة لهم الحق فى تقرير مصيرهم والعيش بالطريقة التى تناسب طموحاتهم وأفكارهم ورغباتهم، فهم ليسوا ظلا للأباء ولا امتدادا لهم، لا رأى لهم ولا قرار.
ومع تطور الأجيال والانفتاح على ثقافات مختلفة ومع ارتفاع مستوى التعليم وخروج البنات إلى سوق العمل ونجاحهم فيه بل وتسيدهم، أصبحت معدلات الطلاق فى تزايد مستمر وقررت البنات أنه إذ لم يكن الزوج بالفعل مسئولا ويقوم بواجباته ويحترم زوجته وبيته فإنهن لن يفعلن مثلما فعل جيل الأمهات اللاتى عشن فى العقود الماضية الطلاق الصامت ورضين بأن تضيع حياتهن تحت مسمى التضحية، فكم من البيوت عاشت بلا حب وبلا قيم أسرية حقيقية بل تمثيل فقط لكى تظل مجرد صورة أمام الناس. ويوجد كثير من البنات لم يحببن هذه التضحية ورفضن أن يكررنها حتى لايعشن نموذج الأم المقهورة التى رأين أمهاتهن عليه. وهنا يجب على كل أب وأم أن يفهموا أن طلاق باحترام أفضل ألف مرة من زواج بلا حب ولا احترام.
كان جيل أمهاتنا هو الجيل الذى لم يكن باستطاعة المرأة فيه أن تحصل على الطلاق بسهولة، فوقتها كان طلب المرأة فيه للطلاق عيب فضيحة ومستحيل وجاء فيلم سيدة الشاشة “أريد حلا” ليوثق هذه الحقبة الزمنية ومشاكلها الاجتماعية وتعرض الفيلم بشكل مدروس ورائع لتأثير هذا الأمر على كل الطبقات الاجتماعية والمراحل العمرية..
ثم حدث أن تم تعديل قانون الأحوال الشخصية لتحصل المرأة على حقوقها التى شرعها الله لها بعد أن تغلب العرف على الشرع لحقبة زمنية وطويلة وحصلت المرأة على حق تقرير مصيرها إما بالطلاق أو الخلع لإنهاء زيجة فاشلة لا تتوفر لها مقومات النجاح.
وفى خلال العقد الماضى بدأت قضايا الطلاق بعد زواج قصير تتسيد الموقف، ولم يعد غريبا أن تجد فى كل أسرة، مطلقة صغيرة عادت إلى منزل أبيها بطفل أصبحت هى المسئولة عنه تماما لأسباب كثيرة يطول شرحها ولكن مكانها ليس هذا المقال.
ثم ظهر جيل آخر وابنتى منهم، يرفض تماما الزواج لمجرد الزواج ويبحثن عن الشريك المناسب وإن لم يوجد، فلا يعنيهن كثيرا البقاء دون زواج حتى وإن اقتربن أو تجاوزن الثلاثين .. وهنا يتقاطع المشهد مع مسلسل “وليه لأ” مرة أخرى لنرى أن الأجيال الجديدة وخاصة البنات، بدأوا يعوا قيمة الاختيار الحر، وأنه للوصول إلى هذه المرحلة، فإن الاستقلال الاقتصادى والمقدرة على مواجهة المجتمع بمنتهى الثقة هما الحل.. فيوجد الآن ظاهرة جديدة تقوم على عدم الرضوخ لرغبات مجتمع يهتم بالشكل أكثر من الجوهر ولم تعد البنات يعبأن كثيرا بكلمة عانس، فالبقاء دون زواج أفضل ألف مرة من معايشة تجربة زواج فاشلة تتسبب فى تخريب حياتهن العمر كله.
بالنسبة لمن رفض العمل، فإنه بقليل من التفكير، سنجد أن استقلال البنات ليس حكرا على طبقة اجتماعية معينة، ففى مصر مثلا، لطالما خرجت فتيات من مختلف مدن مصر وقراها ومحافظاتها للالتحاق بجامعات فى مدن أخرى، وعشن سنوات بعيدا عن الأهل والتزمن ونجحن وعدن مرة أخرى إلى أحضان أسرهن وقد تعلمن كيفية الاعتماد على النفس.. ولطالما جاء تعيين بعض الطبيبات أو المهندسات أو غيرهن فى مواقع بعيدة عن مدنهن، وخضن التجربة وتغربن وسافرن ولم يحدث أن تسبب هذا فى أية انحرافات.
ويوجد العديد من البنات الآن اللاتى يسافرن للتعليم فى الخارج ويعدن وهن أكثر قوة وصلابة بالعلم والاستقلال والتجارب الحياتية االتى تُثقل الشخصية وتعلمها كيف تشق طريقها فى واقع اقتصادى صعب جدا، بمنتهى الجدية والاحترام ..
بينما أتابع المسلسل خطرت لى خاطرة وهى أن الأولاد الرجال هم بالفعل بحاجة جدية لمثل هذه الخطوة، لأن للأسف أغلب مشاكلنا الاجتماعية جاءت بسبب عدم تحمل الرجل، الذى له القوامة شرعا وعرفا وقانونا، مسئولية بيته وزوجته وأولاده، لأنه الأهل مرة أخرى لغوا شخصية أبنائهم الذكور تماما وقام الكثيرون بحمل هذا العبء بالنيابة عن الابن، بداية من الشبكة والمهر وحتى الشقة بحجة أن الزمن صعب وأنه “هيجيب منين” وما إلى ذلك . لا شك أن ما يأتى سهلا يتم التفريط فيه بشكل أكثر سهولة .. وعليه فأنا أنادى وبشدة بتجربة استقلال الأبناء الذكور ماديا عن عائلاتهم بمجرد تخرجهم من الجامعات . أتصورأن وقتها سيتحملون مسئولياتهم كرجال، وتعود المرأة لتصبح الكائن الوديع الذى مهما نجح ومهما عمل ومهما صال وجال ففى النهاية مهمتها الأولى هى تربية أولادها تربية تجعلهم شخصيات سوية محبة للحياة ومحبة لوجودها ومنتجة ومعتمدة على نفسها دون الخروج عن قيم مجتمعاتنا ومبادئها.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *