الإيكونوميست المصرية
د. محمود محيى الدين يضع تصوراته بشأن تغيرات كورونا اقتصاديا وسياسيا على العالم

د. محمود محيى الدين يضع تصوراته بشأن تغيرات كورونا اقتصاديا وسياسيا على العالم

عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، محاضرة متميزة عبر الإنترنت لأول مرة، للدكتور محمود محيى الدين الخبير الاقتصادى العالمى المصرى، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل لعام 2030، بعنوان: “الاستعداد للواقع الجديد”، تحدث خلالها عن رؤيته لتغيرات الاقتصاد والنظام العالمى في عالم ما بعد كورونا، بحضور عدد كبير من الخبراء والمتخصصين ورجال الاقتصاد والإعلام.

وقال محيى الدين، إن هناك عالم جديد يتجه نحو الشرق، وذلك حتى من قبل الأزمة الحالية، وازداد هذا الاتجاه بعد الأزمة، والشرق هنا لا يعنى فقط الصين، وهو توجه يقلق الغرب، كما سيكون هناك اختلاف تام في شكل العولمة، حيث سيشهد العالم فك الارتباط بشكل أكبر، والبدء في توطين الصناعات داخل الدول، كما أن الشكل الجديد للعالم سيخلو من المسميات التقليدية لدول العالم الأول والثانى والثالث.

ويرى محيى الدين أننا نمر الآن بمرحلة فراغ عالمى، لا يقاد من أي جهة، ولا يمكن لأى دولة أو مجموعة دول السيطرة، ويشهد النظام العالمى حاليا مجموعة كبيرة من الأزمات والمشكلات، أولها الأزمة الصحية، وأزمة ركود الاقتصاد العالمى، وأزمة الديون، والأزمة المالية، ومشكلات تتعلق بأسواق السلع الغذائية والنفط، وهى الأسواق التى تعانى بشدة الآن.

وأكد الخبير الاقتصادى أن دول العالم لم تستفد من أزمات الجوائح الصحية السابقة مثل أنفلوانزا H1N1، رغم وجود توصيات دولية بالاهتمام بالرعاية الصحية، لافتا إلى أن الدراسات الخاصة بتقييم المخاطر خاصة التي تصدرها شركات التأمين العالمية وضعت أخطار الأمراض والأوبئة في مرتبة متأخرة بين الثامنة والعاشرة، وهو ما يشير إلى تغييره بالكامل خلال المرحلة المقبلة.

ولفت محيى الدين إلى أن الاقتصاد العالمى دخل بالفعل مرحلة الركود، طبقا لإعلان صندوق النقد الأسبوع الماضى، فبعد أن كانت التقديرات تشير إلى تحقيق نمو للاقتصاد العالمى نسبته 2.6% ، سيتحول النمو إلى -1.5%، وأشار إلى أن الأسواق الناشئة متوقع أن تحقق نموا إيجابيا نسبته 1%، ولكن قياسا إلى متوسطات الدخول المنخفضة مع النمو السكانى المرتفع في هذه الدول، فإن هذه النسبة تعدا نموا “سيئا للغاية”، ومن المتوقع أن تحقق الصين معدل نمو يتراوح بين 1 – 3.3% وهو أمر غير مسبوق على الإطلاق على مدار تاريخ وجودها، وهو ما يشير إلى أننا في مشكلة كبيرة بالفعل.

وطبقا لمنظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يخسر سوق العمل ما بين 5 – 25‬ مليون عامل حول العالم، وأوضح محى الدين أن هذه التوقعات كانت مقدرة قبل الإعلان رسميا عن دخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود، وهو ما يعنى أن هذه الأرقام مرشحة للتزايد.

وتحدث محيى الدين عن وجود حجم ضخم من العمالة غير الرسمية في مصر، وطالب بوجود نظام لدعم البطالة، وهو نظام الدخل الأساسى الشامل الذى تطبقه عدد من دول العالم حيث يحصل الشخص بمجرد خروجه من التعليم على دخل أساسى أيا كانت قيمته، لحين حصوله على فرصه عمل.

ولا يرى الخبير الاقتصادى ما وصفه بـ”الوضع التعيس” للنمو الاقتصادى عالما مستغربا، لأنه لم يكن جيدا قبل الأزمة بسبب تراجع حركة التجارة خاصة مع الحرب التجارية العالمية التي أثرت سلبا بشكل كبير، ومعدل النمو العالمى كان أقل من المستهدف، وهو ما يعنى أن الوضع الاقتصادىالعالمى كان في منتهى الهشاشة – على حد تعبيره – وانتظر صدمة تدفعه نحو الركود.

وعلق محيى الدين على أزمة أسواق المال، مؤكدا أنها ليست أزمة تمويل، ولكنها أزمة سببها صدمة عرض وطلب نتيجة أزمة صحية بالأساس، لافتا إلى أنها تعطى مؤشرات للتعافى من عدمه، وهو ما ظهر عندما أقرت الدول حزم تحفيزية لتنشيط اقتصاداتها وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أقرت حزمة ضخمة قيمتها 2.5 تريليون دولار، مؤكدا أنه إذا لم يكن الاقتصاد الحقيقى سليم، فسيحدث خروج من أسواق المال.

وتطرق محيى الدين للحديث عن هبوط أسواق النفط، والتي ترتبط بجانب العرض واستشراف ما سيحدث وبالتالي جانب الطلب، مطالبا مصر بالتفكير في عقود شراء طويلة الأجل للنفط، مشيرا إلى أن مصر يمكن أن تستفيد من انخفاض أسعار النفط العالمية باعتبارها مستوردا، حيث تتراجع أسعار البنزين وتستفيد القطاعات الإنتاجية، ولكن على الجانب الآخر ستتضرر نتيجة تأثر تحويلات العاملين بالخارج وتراجع الصادرات إلى المنطقة.

وعن أزمة الديون، يشير محيى الدين إلى أنها ليست بجديدة وقد كانت بالفعل في طى التكوين، حيث وصلنا لأرقام غير مسبوقة في حجم خدمة الدين ونسبة الدين إلى الدخل القومى، مؤكدا على وجود مشكلة إدارة دين على المستوى العالمى من قبل الأزمة الحالية.

ويخشى محيى الدين من دخول العالم في أزمة جديدة هي أزمة الغذاء، لافتا إلى أن الأزمة الحالية تختلف كثيرا عن الأزمات السابقة في 2008 و2010، فنحن الآن نعانى من مشكلة عرض نتيجة انتشار فيروس كورونا، وهو ما يتطلب وجود ما أطلق عليه “قنوات خضراء” تسمح بانتقال البضاعة وعمل الاقتصاد في الوقت الذى يجب أن نلتزم فيه بالتباعد.

وحذر الخبير الاقتصادى من قيام الدول بغلق صادراتها، واصفا إياه بأخطر ما يمكن فعله، لأنه قليل من الدول يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يتطلب تنسيقا عالميا حتى لا تحدث أزمة كبيرة جدا.

وعلق محيى الدين عن توقعات النمو الاقتصادى في مصر، مؤكدا أنه لا يجب العمل على افتراضات غير واقعية لمعدل النمو، حيث يجب أن تنخفض إلى النصف على الأقل، بما يعنى أنه إذا كانت التقديرات الأولى للنمو 5% فيجب أن تكون التقديرات بعد الأزمة 2.5%، لافتا إلى أن هذا الأمر كان سابقا على إعلان مرحلة الركود في الاقتصاد العالمى.

وشدد على أهمية التركيز بشكل جدى على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها الاهتمام بالرعاية الصحية، والتعليم، ومكافحة الفقر، وهى أكثر الدروس المستفادة من الأزمة، مطالبا الحكومة المصرية بوضع أولوية للتأمين الصحى الشامل وتطبيقه في جميع المحافظات وليس على سبيل التجريب.

وقال إن دعم القطاع الصحى في مصر لا يجب أن يقل عن 1.5% من الدخل القومى، وهو ما يعنى حاجتنا لنحو 50 – 70 مليار جنيه إضافية للإنفاق على القطاع، داعيا لمراجعة أولويات الموازنة العامة، حيث يجب إيجاد منظومة جديدة تماما للإنفاق العام بأولويات جديدة تأخذ فيها الدولة دورا أكبر في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وتوطين الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية دون ان تزاحم القطاع الخاص والقطاع العائلى.

وأكد الخبير الاقتصادى أن قطاع التعليم سيشهد تغييرات جوهرية نتيجة الأزمة، حيث سيكون التوجه نحو التعليم عن بعد باستخدام التكنولوجيا الحديثة، لافتا إلى أن موضوع التابلت في مصر جاء “ضربة حظ” في مواجهة الأزمة، لأنه يوفر الأجهزة المطلوبة لهذا النوع الجديد من التعليم.

ووصف محيى الدين الأزمة بأنها صحية اجتماعية اقتصادية، لن يستفيد منها أحد، فالجميع متضرر، ولكن هناك فرص أمام مصر تتمثل في الاستثمار في الصحة والتعليم وجعلهم أولوية، والاهتمام بالاستثمار في البنية التحتية والمواصلات العامة، والاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعى وتوطين هذه الصناعة، ودعا إلى ربط كافة الوحدات الصحية في جميع القرى بالتكنولوجيا وتعيين أطباء أكفاء، وتوطين التنمية لا مركزيا، فما يميز دولة عن أخرى هو أن يكون في كل قرية أو مدينة صغيرة قدرات تلبى الحد الأدنى من الأمور الحياتية.
وتطرق محيى الدين للحديث عن الحزم التحفيزية التي خصصتها دول العالم لمواجهة الأزمة والتي تقدر بنحو 5 تريليون دولار، لافتا إلى أن العالم في حاجة إلى نحو 2.5 تريليون دولار إضافية، وهو ما سيسبب زيادة في عجز الموازنات العامة وزيادة في الديون، وهو ما دعا صندوق النقد والبنك الدوليين للحديث عن تأجيل سداد الديون من أجل مساعدة الدول على مواجهة الأزمة.
وعن حزمة الـ100 مليار جنيه التي خصصتها مصر لمواجهة الأزمة، يتوقع أنه سيكون هناك احتياج لمبالغ إضافية، ويجب أن تكون الحكومة مستعدة لذلك، وهذا يعنى أن عجز الموازنة سيزيد ، ويمكن الاستفادة من تراجع سعر الفائدة في تخفيض تكلفة التمويل، ولكن هذا يتطلب إدارة جيدة ومتكاملة لعدة سنوات قادمة، كما يمكن أيضا لمصر تعميق التصنيع المحلى في عدد قطاعات لأننا دولة تستورد 70% من احتياجاتها من الخارج.
وشدد محيى الدين على أهمية زيادة الاستثمار في رأس المال البشرى وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، وتوسيع شبكة التأمينات الاجتماعية والصحية في القطاعين العام والخاص.
وقال: “أنا أكثر تفاؤلا بما بعد الأزمة، فهناك إمكانية كبيرة لتحقق تطور كبير في المجتمع المصرى إذا ما أحسنا فهم الدروس من الأزمة، فنحن أمام واقع جديد وعالم مختلف “.

Related Articles